العناية بمرضى الحجاج المنومين في المستشفيات

فكرة النشاط

تعيين عدد من الشباب والشابات من طلاب وطالبات كليات الطب للقيام بزيارة مرضى الحجاج المنومين في أربع مستشفيات، وتوفير احتياجاتهم من دواء واتصال ومواساتهم بالتعاون مع وزارة الشؤون الصحية وجمعية زمزم.

أهداف النشاط

  • التعاون مع وزارة الشؤون الصحية وجمعية زمزم.

  • مواساة الحاج المريض ودفع الغربة عنه.

  • غرس معاني الأخوة في نفوس الشباب العاملين .

البعد الشرعي للنشاط :

المقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين..   وبعد:
فإن الدين الإسلامي يبني أمة ذات رسالة لتبقى قائدة رائدة، وصالحة لكل زمان ومكان، ودينا هذا شأنه لا يدع مجالاً في السلوك العام، أو السلوك الخاص؛ إلا وجاء فيه بأمر السداد، ومن هنا فلا غرابة أن تدخل توجيهات الإسلام وأحكام الشريعة في تنظيم المجتمع، في دقيقه وجليله، في أفراده وجموعه، وفي شأنه كله. ولا تزال مدونات أهل الإسلام في الفقه والأخلاق مشحونة بالحكم والأحكام في فكر أصيل، ونظرٍ عميق، واستبحار في فهم الحياة، وشؤون الإنسان، وسياسة المجتمع، مع نماذج حية وسير فذة، وتطبيقات جليلة طوال تاريخ الأمة المجيد.

العمل فيها غير!

إن من أصول تحقيق وحدة الأمة قول النبي صلى الله عليه وسلم: “مثل المؤمنين في توادهم وتعاطفهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد؛ إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى”. [البخاري (6011), ومسلم (2586) واللفظ له] فهذا الحديث صريحٌ في تعظيم حقوق المسلمين بعضهم على بعض، وحثهم على التراحم والملاطفة والتعاضد في غير إثمٍ ولا مكروه. [شرح صحيح مسلم للنووي (16/139)]
وهكذا تكون خدمة المسلمين والتعاون معهم لتحقيق مصالحهم جزءا من خدمة الإسلام التي يجزى عليها المسلمون، كل بعمله {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَه، وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَه} (الزلزلة: 7،8).
ومن هذا المنطلق الإسلامي الرشيد فإن شباب مكة هم أولى الناس بفضل خدمة الوافدين لحرمه، والسهر على مصالحهم والوقوف على حاجاتهم، فجدير بمن سكن مكة واستوطنها أن يرحم الوافد إليها، وأن يعطيه من الرحمة والحب ما يشعره أنه بين أهليه وأقربائه، وله في ذلك أجر عظيم وفضل كبير لشرف المكان أو الزمان أو كليهما.
ولاشك أن مكة المكرمة مهبط الوحي ومنطلق رسالة الإسلام إلى الناس، ومركز الإشعاع الحضاري الإسلامي الأول، أفضل البقاع إلى الله كما قال سيدنا صلى الله عليه وسلم: “والله إنك لخير أرض الله، وأحب أرض الله إلى الله” [الترمذي (3925) وصححه الألباني في صحيح الجامع (7089)]، وبقعة تميزت بهذا الشرف (محبة الباري سبحانه وتعالى) لا بد أن تنال بهذا الحب خصائص تنفرد بها عن غيرها من بقاع العالم كـمضاعفة الصلوات فيها نصا كما ورد في الحديث وغير ذلك.
وفي المواطن الفاضلة والأزمان الشريفة قاعدة شرعية تدل على شرف الخدمة للبقاع الفاضلة: وهي أن الأعمال تتفاضل باعتبار الزمان والمكان، وتتفاضل بأحدهما، أو بكليهما من باب أولى.
قال إبراهيم النخعي: (كان يعجبهم إذا قدموا مكة أن لا يخرجوا حتى يختموا القرآن) [مثير العزم الساكن لابن الجوزي (1/331)]، وقال ابن تيمية في سياق كلامه: (وكذلك المكان والزمان الذي يحبه ويعظمه – كالكعبة وشهر رمضان – يخصه بصفات يميزه بها على ما سواه، بحيث يحصل في ذلك الزمان والمكان من رحمته وإحسانه ونعمته ما لا يحصل في غيره) [(17/201-202)] وعليه فالعمل فيها لا بد أن له خصوصية ومكانة على غيره باعتبار المكان، فالمضاعفة فيما عدا الصلاة من الأعمال في القدر والمكانة لا في العدد، كما قال ابن باز: (وبقية الأعمال الصالحة تُضاعف – أي في الحرم – ولكن لم يرد فيها حد محدود، إنما جاء الحد والبيان في الصلاة). (مجموع فتاوى ومقالات 17/198).
وبهذا تعلم أن خدمة زوار بيت الله الحرام فرصة لِتُضاعف حسناتك، وترفع درجاتك، ألستَ ترجو بالصلاة والزكاة الأجر؟! بالتأكيد سيكون الجواب: بلى. فها أنت في ميدان من ميادين العبادة إذا أخلصت ذلك لله عز وجل.

ابن مكة

إن شباب مكة يمثلون في نظر العالم الشاب المسلم، حفيد الصحابة والتابعين، ويمثل مجتمع هذه البلاد، ويمثل دولة مسلمة طالما تَلهف الجميع إلى رؤية شبابها ورجالها؛ فعلى من يقف في خدمة بيت الله الحرام وزواره، الحرص على المظهر الإسلامي في الزي، والملبس والحديث والتعامل، فأنتم يا معشر الشباب تمثلون دينا ودولة وشبابا.. أرأيتم عِظم المسؤولية!!
قال الله تعالى في بيان شأن أهل مكة: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُون}[العنكبوت:67].
فالعرب حول مكة كان بعضها يغزو بعضًا يتناهبون فيما بينهم، وأهل مكة قارّون آمنون فيها، لا يُغزون ولا يُغار عليهم مع قِلّتهم وكثرة العرب! [انظر: الكشاف للزمخشري (3/212)]، فأنتم يا أبناء مكة قدوة للأمم في الجاهلية والإسلام.
ويوضح ابن عاشور هذا المعنى، ولماذا خصّ أهل مكة بذلك؟ قال: (هذا تذكير خاص لأهل مكة، وإنما خُصُّوا من بين المشركين من العرب لأن أهل مكة قدوة لجميع القبائل، ألا ترى أن أكثر قبائل العرب كانوا ينتظرون ماذا يكون من أهل مكة، فلما أسلم أهل مكة يوم الفتح أقبلت وفود القبائل معلنة إسلامهم) [التحرير والتنوير (21/33-34)].
فأهل مكة قدوة لغيرهم، ولهم في ذلك مآثر عبر التاريخ قال ابن بطوطة الرحالة: (ولأهل مكة الأفعال الجميلة التامة والأخلاق الحسنة، والإيثار إلى الضعفاء والمنقطعين، وحسن الجوار للغرباء) [انظر: التاريخ القويم لمكة وبيت الله الكريم (6/264)].
ويحكي رحّالة آخر من علماء المسلمين عن الخدمة التي وجدها من جميع طبقات المجتمع في مكة، فيقول: (فتلقانا أهل مكة وأطفالها متعلّقين بالناس، ليعلموهم المناسك ويهدوهم المسالك. قد دُرِّب صبيانهم على ذلك وحفظوا من الأدعية والأذكار ما يحسن هنالك) [رحلة ابن رشيد السبتي (ص80)].
فيا أبناء مكة “إنكم جيران الله وأهل الحرم، وإن الزوّار ضيفان الله، وهم أحق الضيف بالكرامة، فاجعلوا لهم طعاماً وشراباً”، حتى يذهبوا لمنازلهم وأهليهم؛ بذلك تقومون بالواجب الشرعي في إكرام الضيف ويأخذوا عنكم صورة حسنة تليق بأهل مكة وسكانها.

حق المسلم.. وكافل اليتيم أين منزله؟!

من أجل مظاهر المواساة بين الناس: عيادة المرضى وزيارتهم ورعاية الأيتام وكبار السن؛ فذلك من الآداب الرفيعة التي حث الإسلام المسلمين عليها، وجعلها من أولى حقوق المسلم على أخيه المسلم, بل ومن سبل التأليف بين القلوب الذي امتن الله تعالى علينا به في كتابه الكريم.
وعيادة المريض يشعر المريض عند مرضه بروح الأخوة الإسلامية, فيكون ذلك سبباً في تخفيف آلامه وأحزانه، وتعوضه بعض ما حرمه من القوة والصحة.
لذا كان من أدب السلف ـ رضوان الله عليهم ـ إذا فقدوا أحداً من إخوانهم سألوا عنه، فإن كان غائباً دعوا له، وخلفوه خيراً في أهله، وإن كان حاضراً زاروه، وإن كان مريضاً عادوه، وهذا من أظهر صور المواساة في ذلك الجيل.
عن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “حق المسلم على المسلم ست”. قيل: ما هن يا رسول الله؟ قال: “إذا لقيته فسلم عليه وإذا دعاك فأجبه وإذا استنصحك فانصح له وإذا عطس فحمد الله فسمته وإذا مرض فعده وإذا مات فاتبعه” [أخرجه مسلم (5702)].
وثبت في صحيح مسلم أيضا (2568) ما يبين فضل هذا العمل عند الله، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “عائد المريض في مخْرَفة (طريق) الجنة حتى يرجع”، وهذا الفضل حث شرعنا وديننا عليه وأمر بذلك كما ثبت عن أبي موسى الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أطعموا الجائع وعودوا المريض وفكوا العاني” [البخاري (5649)].
وهذا الفضل العظيم والأمر الشرعي يتأكد إذا كان صاحب الحاجة يتيم، فالدين الإسلامي اهتم اهتماما خاصا باليتيم وخص كافله بالأجر والمثوبة فعن سهل قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا”، وأشار بالسبابة والوسطى، وفرج بينهما شيئا. [البخاري(5304)].
فخدمة زوّار بيت الله الحرام وعيادتهم ورعاية أيتامهم من أعظم ما يتشرف به المرء؛ لأن المريض يحتاج إلى من يعتني به أثناء مرضه، ويقوم على خدمته مستصحباً في ذلك الرفق والرحمة به والمواساة، ومن يقوم بهذه الخدمة العظيمة عليه أن يتذكر أن هذا نوع من البر والإحسان لضيوف الرحمن، والله تعالى يقول في كتابه الكريم: {وَأَحْسِنُوَاْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِين} [البقرة:195].

تثقيف الأنام

إن توفير من يقوم على التذكير بهذه الحقوق (بفعله قبل قوله) يعتبر من إحياء شعائر الإسلام وإشاعتها بين الناس، حتى يتم لنا المقصد الأسمى وهو تحقيق خيرية الأمة المشار إليها في قول الله تعالى: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ}[آل عمران:110]
فهنيئا لشباب مكة خدمة بلد الله الحرام وزوراه الكرام، وهنيئا للوافدين لحرمه بهؤلاء الشباب المشمرين عن سواعدهم رغبة في الخير، ونشر المعروف في أطهر البقاع وأشرفها في الدنيا؛ حتى يكون التعظيم لبلده ظاهرا وواقعا، ويصبح ثقافة ينقلها جيل عن جيل.